
كأننا نشاهد فيلمًا وثائقيًا يروي حقيقة جيولوجية نادرة.
تبدأ الرحلة عند بوابةٍ ضخمة يتسلل منها ضوء الشمس، وما إن تتجاوزها حتى يبتلعك الظلام.
ترفع عينيك فلا ترى سقفًا، تضيء كشافك فينكشف أمامك نفق بازلتي هائل كأنما شُيّد بإتقانٍ يفوق خيال الإنسان. وعندما تخطو سوف تخطو بحذر، فتلمح ألوان الصخور المتدرجة تلمع على الجدران، وتحت قدميك فقاعات طينٍ ترقص بخفةٍ على أنغامٍ خفية من موسيقى الماء والحجر. كل خطوة تأخذك إلى عمقٍ جديد من الدهشة والجمال. وبعد مسافةٍ تقارب ثلاثة كيلومترات، يزداد الهواء رطوبةً وبرودة، لتصل إلى عالمٍ تتنفس فيه الصخور ويجري الماء بين طبقاتها بهدوءٍ يشبه الهمس. فهناك تدرك أنك أمام تحفةٍ جيولوجية فريدة: كهف ماكر الشياهين، أحد عجايب الطبيعة في شمال المملكة. ويقع الكهف في خيبر شمال المدينة المنورة، داخل حرةٍ بركانية واسعة نحتتها الصهارة منذ آلاف السنين. يبلغ عرضه نحو 15 مترًا وارتفاعه أكثر من 20 مترًا، وتكشف داخله بقايا عظامٍ وأدواتٍ حجرية تعود لقرونٍ مضت، تحكي قصصًا عن حياةٍ مرّت من هنا !!
الرحلة إلى هذا الكهف ليست مجرد زيارةٍ لمعلمٍ طبيعي، بل رحلة إلى قلب الأرض نفسها، حيث يولد الجمال من العتمة وتُروى الحكاية بلغة الحجر والماء.