

هنا تكتشف ذاتك
رحلة إلى الأعماق، … لاكتشاف الذات في كل مرة أذكر للآخرين أنني أعمل في مجال الإرشاد السياحي بالكهوف، أو أنني أستكشفها وأزورها باستمرار، أرى على وجوههم ملامح الدهشة، وأسمع عباراتٍ متعجّبة: “مستحيل عندنا كهوف؟!”
حتى نبرة الصوت تتغير، وتبدأ العيون بالاتساع كأنها تستكشف المكان معي لأول مرة.أتذكر موقفًا لا أنساه، حين التقيتُ بأحد الصحفيين وتحدثنا عن الكهوف في المملكة وعن الإرشاد فيها.
وبشكلٍ عفوي قال جملة قصيرة لكنها كانت قوية عليّ:
أعوذ بالله!”
ابتسمت وسألته بهدوء:هل تُغلق الباب لأن خلفه ظلام؟
أم تفتحه لتكتشف ما فيه من نور؟”الكهوف مثل ذلك الباب، لا تخف منها قبل أن تراها، فربما في داخلها ضوءٌ أجمل مما تتصور.ولم أشعر بالضيق من كلمته، بل اشتعل داخلي حماس غريب؛ غيرة محبّة لهذا العالم الذي لا يعرفه كثيرون.
أردت أن أريه الصورة الحقيقية للكهوف، لا كما تُنقل في الخيال، بل كما هي في الواقع:أماكن من الهدوء، من الطمأنينة والجمال الذي لا يشبه أي مكان آخر.
لن أستطيع أن أصف لك ما تفعله الكهوف بالنفس.
هي ليست مجرد تجاويف في الأرض، بل مساحات تنقية.
تذهب إليها لتتخلص من كل الضغوط التي تراكمت عليك، لتسحب منك الشحنات السلبية وتمنحك صفاءً لا يشبه إلا الطبيعة نفسها.
هناك، تسمع صوت الحياة في سكونها، وتشعر أنك أقرب إلى الله وإبداعه في داخل الكهف، تشعر بالبساطة، بالدفء، وباحتواء الأرض لك كأنها أمّك الكبرى.وربما في اللحظات الأولى تخاف قليلًا، لكن ما إن تأخذ نفسًا عميقًا وتغمض عينيك حتى يزول كل توتر، ويغمر جسدك إحساس بالسكينة.
إنها تجربة روحية بقدر ما هي سياحية.ومهما حاولت أن أصف، لن تستطيع أن تشعر بما أشعر به إلا إذا زرتها بنفسك. كهوفنا بالسعودية ليست فقط موجودة، بل تفوق جمالًا ووصفًا كثيرًا من كهوف العالم.هي أماكن آمنة، نقية، تبعث على التأمل والفخر في آنٍ واحد.ربما ما زلتُ في رحلة تثقيفية مستمرة لأُعرّف الناس بهذا العالم المخفي تحت أقدامهم وهي رحلة لا تنتهي، لأن كل كهف أزوره يفتح لي كهفًا آخر في داخل وهو كهفًا من الدهشة، ومن الشغف ومن الإيمان العميق بأن الجمال الحقيقي لا يُرى بالنور، بل بالبصيرة.