من هافانا إلى الرياض: كيف قادت رحلة سياحية امرأة كوبية إلى نور الإسلام؟

في عالمٍ تتقاطع فيه الأرواح بقدرٍ إلهي لا يشبه الصدفة، بدأت قصة عبير البتال مع السيدة الكوبية منيرة (جوليا سابقًا). قصة تصعب روايتها دون التوقف أمام تفاصيلها، لأنها لم تكن مجرد رحلة… بل كانت بداية مسار تغيّر فيه كل شيء.
وفي هذا الحوار الخاص، تروي عبير تفاصيل الرحلة التي تحوّلت من جولة في شوارع هافانا… إلى رحلة نحو الإيمان.
البداية: لقاء خارج حسابات السفر تعرّفت عبير على جوليا قبل السفر من خلال ترشيحات في السوشيال ميديا، كمرشدة سياحية في هافانا. التواصل الأول كان مهنيًا بحتًا، يرتّب جولات ومواعيد.
لكن ما إن وصلت عبير إلى كوبا والتقت بها لأول مرة، حتى شعرت أن العلاقة تتجاوز حدود “مرشدة وزائرة”.
تقول عبير:
“لفتني لطفها العفوي… طريقتها في المساعدة، وابتسامتها اللي تحسسك أنك تعرفينها من قبل.”
منذ اللحظة الأولى، كان بينهما ارتياح غريب… وكأن علاقة جاهزة كانت تنتظر أن تُفتح.
جولات بين الأزقة… وأسئلة تبحث عن نور
قضتا أيامًا في جولات متنوعة:
السيارة الكلاسيكية، مصنع السيجار، شوارع هافانا الشعبية، والأحياء القديمة.
لكن الجولات الأعمق كانت في الحوار.
تقول عبير:
“كانت تسمع بانبهار لكل شيء نعيش فيه… الروابط العائلية، الاحترام، وحتى الصلاة.”
سألتها جوليا يومًا: ليش تصلين بنص الجولة؟ ليش ما تنتظرين ترجعين للفندق؟”
فأجابتها عبير بابتسامة:لأن للصلاة وقت… وما ينفع تأجيله.”
كانت تلك لحظة فتحت بابًا جديدًا داخل قلب جوليا، بابًا لم تكن تخطط لفتحه.
بعد العودة: صداقة لا تعرف المسافات
عادت عبير إلى السعودية، لكن الصداقة لم تعد إلى الصفر… بل أصبحت أقوى.
تقول:
“صرنا نتواصل كل يوم تقريبًا… كأنها فرد من العائلة.”
وحين حاولت جوليا استخراج تأشيرة إلكترونية ولم تكن متاحة لمواطني كوبا، قررت عبير أن تقدم لها دعوة زيارة رسمية وتأشيرة “زيارة صديق”.
لماذا كانت جوليا تريد زيارة السعودية؟
لأنها، كما تقول دائمًا،
“شافت في السعوديين صورة جميلة… قيم، إيمان، ودفء. وكانت تحلم تشوف هالعالم عن قرب.”
الرياض… الدهشة الأولى
عند وصولها، كانت المشاعر جياشة.
زارت البوليفارد، البجيري، سوق الزل، وقصر المصمك.
وكانت تردد في كل مكان:
“ما توقعت السعودية بهالجمال والروح.”
لكن ما رأته داخل البيت كان أعظم…
فقد قرأت القرآن سابقًا باللغة الإسبانية، ورأت أن قيم الإسلام تشبه ما تربّت عليه من رحمة وبساطة وعناية بالمحتاج.
ومع إقامتها في منزل عبير، رأت الإسلام كما هو؛ ليس دروسًا تُلقى، بل حياة تُمارس يوميًا:
الصلاة، الأذكار، التعامل، الاحترام، والسكينة.
تقول عبير:
“ما أحد دعاها مباشرة… كانت تعيش الإسلام قدّامها.”
وحين طلبت زيارة الحرم، شرحت لها عبير أنه غير مسموح لغير المسلمين، لكنها أخذتها إلى جامع الراجحي لحضور محاضرة تعريفية.
الشرارة التي فتحت أبواب السماء
في المنزل، كانت جوليا تسأل يوميًا:
– كيف يكون الوضوء؟
– ليش تشعرون بهالطمأنينة؟
– كيف يتعامل المسلم مع أهله؟
أسئلة صغيرة… كشفت عن قلب كبير يبحث بصدق.
وعندما طلبت زيارة مسجد، فهمت عبير أن الخطوة القادمة قريبة جدًا.
لحظة النور: الشهادتان
في جامع الراجحي، وبعد جلسة هادئة مع الشيخ، نطقت جوليا بالشهادتين.
تصف عبير تلك اللحظة:
“قالت لي: أحس إني انولدت من جديد… قلبي مرتاح لأول مرة.”
بكت… وبكت معها عبير وابنتها.
دموع لم تكن للحظة عابرة، بل لحياة جديدة.
اختارت لنفسها اسم “منيرة” — الاسم الذي أطلقته عليها نورة اليوسف أثناء زيارتها لكوبا، وأحبته منذ ذلك اليوم.
أول ما رغبت بتعلمه كان الصلاة، رغم صعوبة نطق بعض الأذكار وتعلم السور العربية.
واليوم… تحلم بأداء العمرة.
عندما يكون اللطف أعظم دعوة
تقول عبير:
“ما دعوتها للإسلام أبدًا… الله هو اللي هداها. أنا فقط عشت قيمي بطبيعتي.”
وتضيف:
“هذه التجربة علمتني أن السفر مو مجرد اكتشاف أماكن… هو اكتشاف أرواح. وأحيانًا… يكون طريق للهداية.”
قالت منيرة لعبير يوم إسلامها:
“الله قادني للسعودية… ولبيتك… وللمسجد. مو صدفة… قدر.”
خاتمة: رحلة بدأت بجولة… وانتهت بسجدة
من الأزقة الكوبية إلى سجدة أولى في الرياض، تؤكد هذه الحكاية أن الهداية ليست كلمات تُقال… بل نور يراه القلب عندما يكون مستعدًا. هكذا قادت رحلة سياحية بسيطة إلى أعظم رحلة…
رحلة الإيمان.



